بقلم / أ. إبراهيم عيسى .. حكايات 9

كان هذا في أوائل السبعينيات، حيث جاء إلي مدينتنا البرنامج الإذاعي الأشهر وقتها (الغلط فين) الذي أصبح اسمه «مسرح المنوعات» فيما بعد، كان البرنامج الذي يقدمه نجم الإذاعة الكبير علي فايق زغلول ، يزور مدن الأقاليم ويسجل حلقته علي مسرح وسط الجماهير، حيث يقف ممثلون علي خشبة المسرح يؤدون فقرات تحمل بعضها معلومات خاطئة تنتهي بأسئلة للجمهور عن الغلط فين والذي يجيب إجابة صحيحة يكسب خمسة وسبعين قرشا (..).

أخذني خالي في يده وذهبنا إلي مسرح مدرسة الزراعة الذي يسع ثلاثمائة متفرج، لكنه احتشد بألف علي الأقل ، عندما بدأ البرنامج كانت سعادة الجمهور تتصاعد ونشوته تجمح وانفعاله يزداد مع كل ضحكة لممثلة (كن ممثلات إذاعة اشتهرن بأدوار الخادمات والأمهات في السينما وأصغر واحدة منهن كانت في الخمسين من عمرها تقريبا ) يقرأ الممثلون من ورق أمام الميكروفون، لكنهم يتجاوبون مع الجمهور الذي بدأ يجن بتفاعل هؤلاء المشاهير معه ، صفافير وصيحات وتعليقات بدأ معها المذيع علي فايق زغلول يشعر بالقلق، خصوصًا مع غياب أي مظهر للأمن في المسرح رغم وجود السيد المحافظ والسيد رئيس المدينة والوفد المرافق لهما الذي يجلس في المقاعد الأولي ، كانت آخر فقرة هي الغناء، حيث تم تقديم المطربة أماني جادو والتي ظهرت بفستان أحمر منفوش وبكامل زينتها وبباروكة صفراء لا تحتمل وأطلقت صوتها مع إيماءاتها وحركاتها علي الخشبة في أغنية خفيفة حتي التفاهة فوصلت حرارة الجمهور حد الاشتعال وقفز شاب إلي المسرح وتبعه ثانٍ فثالث وفي لحظات كانت المئات تقفز فوق الكراسي وترمي بنفسها علي أماني جادو التي صرخت من هول المفاجأة، اندفعت الفرقة الموسيقية ترمي آلاتها وتجري فزعا والمطربة ذات الباروكة الشقراء تفك الأيدي من حولها والأستاذ علي فايق زغلول يحاول تخليصها من تدفق الجمهور وسقطت مقاعد وتكسرت آلات موسيقية ، أنقذتني يد خالي من سقطة تحت الأقدام المندفعة وحملني علي كتفه وخرج بي من باب المسرح الجانبي فوجدنا أنفسنا في الممر الخلفي للمسرح حيث رأيت الممثلات يصرخن ويستنجدن بزملائهن وعلي فايق زغلول يحمي المطربة، والجميع في تعثر وارتباك وقلق يركبون الأتوبيس الذي يتحرك دون أن يهتم بالذين يجرون خلفه ويقفزون لجوءًا إليه!

الغريب أنه في الجمعة التالية أذاع الأستاذ علي فايق زغلول الحلقة كاملة ولا أعرف متي أكملت أماني جادو أغنيتها!